الفرق بين الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة
مع زيادة إنتشار مفهوم ريادة الأعمال في العالم العربي مؤخراً بالرغم من أنها ليست ظاهرة جديدة ولا من نتاج القرن العشرين، وبدأ ظهور الكثير من الشركات الناشئة والتى تعتبر من أحد الأدوات الهامة للتعبير عن هذا المفهوم، خلق هذا الإنتشار لريادة الأعمال الكثير من الضجة حولها، ما دفع بعض الأشخاص إلى إنشاء شركات بغرض تحقيق ربح كبير وسريع بحسب توقعاتهم، دون العمل على إنشاء شركات ذات قيمة طويلة الأجل،وعليه حدث بعض التضارب و الخلط بين مفهوم الشركات الناشئة و المشروعات الصغيرة والمتوسطة، عادة ما يتم الخلط بين ريادة الأعمال وبين امتلاك الأعمال التجارية الصغيرة المدرة للدخل،
فالأولى تقود إلى تأسيس الشركات الناشئة (وهو تعريب قاصر لـ (ستارت أب)
أما الثانية فهي تؤدي إلى إنشاء الشركات الصغيرة والمتوسطة، والفرق بينهما هو ذاته الفرق بين امتلاك محل بقالة وتأسيس شبكة اجتماعية على الإنترنت.
حيث اعتمد البعض على المسمى لوضع تعريف لمصطلح الشركات الناشئة انها تلك الشركات الصغيرة التى تنشأ من الصفر أو البداية، ولكن هذا خطأ وغير صحيح بشكل كامل حيث تختلف الشركات الناشئة بمختلف أنواعها وأشكالها عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التقليدية وذلك من خلال عدة معايير توضح أهم الاختلافات الجوهرية سيتم توضيحها فيما يلى.
ولكن في البداية نوضح كلاً من :
مفهوم الشركة الناشئة
هي مشروع تجارى يقدم منتجات او خدمات تساهم في وضع حلول للمشكلات وخلق قيمة مضافة كبيرة بصورة مبتكِرة ومتقدمة تكنولوجياً مع الأخذ في الإعتبار انها محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة وتعمل فى ظروف عدم التأكد.
تتخطى كلمة “شركة ناشئة” في عالم الأعمال حدود شركة تنهض من الصفر، فمصطلح شركة ناشئة مرتبط أيضاُ بالأعمال الموجهة بشكل اعتيادي نحو التكنولوجيا والتي لديها قدرات نمو كبيرة.حسب تعريف ويكيبيديا؛ الشركة الناشئة هي شركة حديثة الإنشاء تكون في طور تنمية وبحث عن الأسواق، التعريف صحيح لكنه يبقى قاصرا، نوعا ما، عن الإحاطة الكاملة بمعنى الشركات الناشئة، من جهة أخرى، غالبا يتم ربط ريادة الأعمال (أي بناء الشركات الناشئة) بمجال الإنترنت والتطبيقات الرقمية عموماً، لكن هذا غير صحيح.
فتأسيس الأعمال الناشئة (Startups) ليست حكرا على الإنترنت فحسب، كما أنه هناك أفكار كثيرة يمكن إنشاؤها على الإنترنت وهي تندرج ضمن تصنيف الأعمال الصغيرة وليس المشاريع الريادية الناشئة،
مفهوم الشركة الصغيرة والمتوسطة
لا يوجد تعريف موحد متفق عليها وهذا لإختلاف المعايير المحددة من دولة لآخري حسب الوضع الاقتصاد للدولة و أيضاً داخل الدولة الواحدة حسب الجهات المهتمة بهذا التصنيف سواء كانت حكومية أو منظمة داعمة، يكون المشروع المتوسط في دولة نامية صغيراً في دولة صناعة متقدمة.
علي أية حال فان المشروع الصغير ھو المنشأة المستقلة في الملكیة والادارة _يكون فردياً يؤسسه شخص واحد وخاصاً لا يشارك فيه أحد_ وتستحوذ على نصیب محدود من السوق. و يوجد العديد من المعايير الآخري المحددة مثل فردية وشمولية الإدارة، محدودية الحصة السوقية، حجم رأس المال المستثمر، حجم الانتاج، حجم المبيعات، حجم العوائد والأرباح….إلخ
فهي أعمال تجارية ذات إيرادات وعدد موظفين ضمن سقف محدد قد يختلف بين دولة وأخرى، هدفه الأساسي هو أن يعيش حياة مستقرة مع دخل معقول يلبي متطلباته اليومية.
معايير الإختلافات الجوهرية بين الشركات الناشئة و المشروعات الصغيرة والمتوسطة تتمثل في الآتى :
1-النمو.
تختلف الشركات الناشئة عن المشاريع الصغيرة التقليدية بشكل أساسي لأنها مصممة لتنمو بشكل سريع، فهي مسكونة كليا بهاجس التوسع الكبير ومواصلة النمو بلا حدود، ويوجهها هدف رئيسي يتمثل في التغيير، وجعل العالم مكانا أفضل للعيش.
مما يعني أن الشركات الناشئة لديها شيء يمكنها أن تبيعه لسوق كبير جداً وهذا غير موجود لدى المشاريع الصغيرة التى تكون محدودة السوق.
بشكل عام إذا أردت تطبيق مشروع صغير لن تحتاج إلى سوق كبير وإنما ستحتاج فقط إلى سوق لتبيع فيه منتجك وأن تكون قادراً على الوصول إليه وخدمة جميع الأشخاص الموجودين في سوقك، كما أن استمرار المشروعات الصغيرة يعتمد على مدى قدرة أصحابها على تحقيق الاستقرار والربح، فهي طالما تعمل وتنتج، ويمكن توسيع نطاقها قليلا، تظل ناجحة ومستمرة إلى فترة غير معلومة.
صاحب العمل التجاري الصغير لا يتجاوز طموحه تطوير الشركة قليلا لتصل إلى مستوى الشركات المتوسطة.
وهذا واحد من الأسباب التي تجعل أغلب الشركات الناشئة شركات ناشئة تكنولوجية فالمشاريع التي تقوم على الانترنت لتقديم خدمتها و الحصول على الأرباح تستطيع بسهولة أكبر أن تصل إلى سوق أكبر لأنها تسافر عبر الزمان والمكان، فالناس تستطيع أن تشتري منتجك سواء أكنت مستيقظ أو نائم أو إن كنت في نيويورك أو بأي مدينة أخرى، فالسمة المميزة لمعظم الشركات الناشئة أنها غير مقيدة بهذه العوامل.
ببساطة و وفقاً لما قاله المستثمر ورائد الأعمال (بول جرهام) :
“إن الفرق بين غوغل و محل حلاقه أن الحلاق لا يتوسع وينمو.”
كما أنه ليس جميع الشركات التكنولوجية لديها سوق كبير جداً فإذا قمت ببيع برنامج مكتوب باللغة الهنغارية لمعلمي مدارس هنغاريين فسيكون لديك سوق محدد و صغير جداً، وتحتاج لكي تنمو بسرعة إلى أن تصنع شيء تستطيع أن تبيعه لسوق كبير جداً.
2- التمويل.
طرق تمويل الشركات الناشئة قد تكون مختلفة، فرائد الأعمال يملك فكرة مبتكرة وقادرة على التغيير، فيبدأ بالبحث لها عن مستثمر يؤمن بها وبأهميتها، حيث تميل الشركات الناشئة إلى الاعتماد على رأس المال الذي يأتي عبر المستثمرين الفرديين أو شركات رأس مال المخاطر.
أو يمكن أن يشارك بها في مسابقات ريادة الأعمال المتاحة، وغيرها من الطرق والوسائل التي يمكن أن يستحدثها ليمول بها شركته.
في حين أن عمليات المشاريع الصغيرة قد تعتمد على القروض والمنح والتى يمكن أن تقدمها البنوك و المؤسسات المصرفية وفقاً لدراسات الجدوى الإقتصادية.
حيث تعتمد المشروعات التجارية الصغيرة على خطة عمل واضحة، ففي الغالب يمكن لصاحب المشروع أن يستلهم من تجارب ومشروعات المحيطين به، ويبدأ في التجهيزات والخطوات بشكل أسرع، كما أن معرفته بالتراخيص التي يستلزمها مشروعه، الذي قد يكون سوبر ماركت أو مشروع صناعي صغير، يخلق لديه فرص أكبر في الحصول على التمويل والإلمام باحتياجات المشروع وخطوات تاسيسه قد تحتاج في بعض الأحيان إلى تقديم تقرير إلى البنك الذي تتعامل معه، عادة الحصول على تمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة يكون أسهل (خاصة القروض البنكية).
بعض الدول العربية تقدم الدعم للمشاريع الصغيرة أكثر مما تقدمه للشركات الناشئة، الأمر يتوقف بصورة كبيرة على النهج الاقتصادي الذي تتبعه الدولة.
فالمغرب، مثلاً، ومصر يتوفران على برامج حكومية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة (جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة – جهاز تنمية الصادرات).
في حين أن الأردن، وإلى حد ما السعودية أيضا، توفران دعما أكبر للشركات الناشئة من خلال برامج موجهة لرواد الأعمال.
3- الإبداع والابتكار.
صاحب العمل التجاري الصغير لا يقدم على المخاطرة إلا بشكل محدود جدا، هو يبحث عن فكرة ناجحة تجاريا ويقلدها، ابتداء من محلات تصوير المستندات وانتهاءً بمشاريع حقوق الامتياز (فرانشيز) الناشئة فهي تقوم على الإبداع والابتكار، وتعتمد بصورة كبيرة على الابتكار والتجريب فدونهما لا يمكنها أن تحقق أي نجاح يذكر.
ويعد الأبداع و الإبتكار من أهم سمات الشركات الناشئة التى توصف بها الفرق الجوهري بين الشركات الناشئة (أو ستارت آب، لو شئتم الدقة) والشركات الصغيرة والمتوسطة،
هو أن الأولى تقوم على التغيير والثورة أما الثانية فتقوم على الحفاظ والثبات.
4- استراتيجية الخروج (التخارج من السوق).
أحد أهم الأهداف من إنشاء و تأسيس المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو تحقيق أرباح وعوائد دورية مستمرة، بينما لا يكون الأمر كذلك في الشركات الناشئة حيث يعد أهم أسباب إنشائها هو تحقيق أكبر عائد على الأستثمار في الشركة من خلال عملية البيع و الإستحواز للتخارج من السوق مع تحقيق عائد كبير على المال المستثمر، يحتاج أصحاب رأس مال المخاطر إلى استراتيجية خروج كما أنهم يحتاجون إلى تعظيم عائد الاستثمار الخاصة بهم فإذا كنت تريد إدارة شركتك لمدة عشرة سنوات فعلى الأغلب ستحتاج لأن تتأكد من أن خطة الخروج تأتي على شكل إيرادات ثابتة تتيح لك السداد للمستثمرين.
إن تطوير استراتيجية الخروج مشكلة لن تواجهها في مشروعك على الأقل ليس حتى تكون قد نجحت بشكل كبير أو عندما تغير رأيك بما يتعلق بامتلاكك للمشروع، أما بالنسبة للمشاريع التقليدية التي ليست شركات ناشئة لن تحتاج فيها إلى استراتيجية خروج بالبداية فستكون مسؤول بشكل كامل عن مستقبل شركتك وسيكون عائد إليك فيما إذا أردت أن تديرها إلى آخر حياتك أو تقرر بيعها أو دمجها أو إطلاقها في سوق الأوراق المالية.
الشركات الناشئة خيار أفضل أم الشركات الصغيرة؟
لا يمكن التفضيل بينهما بهذا الشكل، فما دام الهدف النهائي من كل منهما مختلفا، فإن الاختيار بينهما يتحدد بالهدف نفسه، أي بالغاية وليس بـ ”البريستيج“!
كيف تختار بين أن تؤسس عملا تجاريا صغيرا وبين أن تبني شركة ناشئة؟
أولاً حدد هدفك، هل تريد الحصول على حياة مستقرة ودخل شبه مضمون أم أنك تريد خوض مغامرة إنشاء عمل تجاري جديد والانطلاق في رحلة التوسع بلا حدود.
حدد أيضا إذا ما كنت قادرا على الابتكار ومواصلة الإبداع بلا قيود، أم أن ملكاتك الإبداعية محدودة؟
كذلك يجب دراسة الخيارات الأخرى المتاحة مثل القوانين المنظمة وغيرها.
حلل كل هذه التفاصيل بشكل دقيق، وبعد ذلك ستستطيع الاختيار بسهولة، بين أن تبادر بإنشاء شركة ناشئة، تؤسس عملاً تجارياً صغيراً، أو تكتفي بالعمل كموظف في شركة أخرى.
تحديد قيامك بمشروع صغير أو شركة ناشئة يعتمد على النقاط التي قمنا بتحديدها، ولا يعني أن هناك تقسيم أفضل من الآخر، ولكنها آلية التنفيذ وطريقة العمل والهدف من المشروع التي يمكنها أن تساعدك في اتخاذ القرار المناسب، الذي يساعدك على ضمان النجاح والاستمرار.