اطروحات

على خطى “كورونا”… كيف قاد “فيروس سارس” علي بابا للنجاح؟!

“البقاء للأقوى”… اشتهر هذا القانون باعتباره الحاكم الأساسي في الطبيعة من وجهة نظر العالم الشهير “داروين”، والذي يرى أن النظام يقوم على بقاء الأصلح.

رغم الجدل الكبير الذي صاحب قانون “داروين”، ولكن هذا العالم الإنجليزي الشهير لم يعش ليرى تحقق مقولته في عالم البيزنس، حيث يعاني العالم اليوم لمواجهة الأثر الاقتصادي السلبي الذي أحدثه وسيحدثه التفشي المستمر لفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

فالبقاء في ظل الأزمات المتلاحقة لهذا الفيروس وما تبعه من حجر صحي، والحفاظ على المشروعات قائمة يعتبر التحدي الأصعب الآن لأي رائد أعمال يحاول أقلمة مشروعه مع التبعات الحالية والمستقبلية التي قد يواجهها مع عدم اتضاح الرؤية فيما يتعلق بموعد عودة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى.

وسط كل هذا، يبدو أن مجموعة “علي بابا ” العملاقة للتجارة الإلكترونية تعيش وضعًا مألوفًا، بل وربما تنظر إلى تلك الأزمة بمثابة فرصة جديدة مماثلة للفرصة التي أعطاها لها فيروس سارس “أحد فيروسات عائلة كورونا”، والذي ساهم بشكل غير مباشر في تحويل الشركة إلى الامبراطورية التي نشاهدها عليها اليوم، كيف ذلك؟!

جميعنا قد يتذكر القصة الشهيرة لجاك ما، ذلك المدرس الصيني الذي نجح أخيرًا في تحقيق حلمه وأسس شركته للتجارة الالكترونية “علي بابا” بحلول عام 1999.

على مدار 3 سنوات، دأب “ما” على خططه التوسعية لـ “علي بابا”، حتى جاء عام 2002 ونجحت الشركة في تحقيق أرباح للمرة الأولى في تاريخها، ولكن حينها جاء فيروس “SARS”!
في ديسمبر 2002 ظهر فيروس “SARS” في الصين، وسرعان ما تحول إلى تهديد عالمي في مارس 2003، خاصة مع انتشاره في عدد من دول العالم.

ظهر “SARS” في فترة كانت شديدة الحساسية بالنسبة لـ”علي بابا”، حيث كانت الشركة في طور التوسع عبر إطلاق منصة “Taobao”، وهي منصة تجارة الكترونية للمستهلكين تسعى لمنافسة “E-pay”، والتي كانت قد دخلت السوق الصيني بقوة حينها.

بالإضافة إلى ذلك فكان على الشركة مواجهة الكبوة الاقتصادية الضخمة التي عانت منها الصين وقتها، والتي كان يمكن أن تقضي على أعمال “علي بابا” بأكملها.

ولكن قيام جاك ما وموظفيه باتباع مجموعة من الخطوات، والتي كشف عنها بورتر آريسمان “Porter Erisman”، نائب رئيس الشركة السابق في منطقة هانغتشو بالصين، ساهمت في استغلال الشركة لتلك الأزمة بدلًا من التضرر منها، وتحويل “علي بابا” لإمبراطورية تحقق عائدات سنوية تصل إلى 400 مليار دولار اليوم، فما هي تلك الخطوات؟!

1- الأولوية للصحة:
لا نتحدث هنا عن أهمية الحفاظ على فريق العمل من الناحية الإنسانية فقط، ولكن أيضًا للحفاظ على البيزنس ككل.

يحكي “بورتر”، في حديثه مع موقع “Business insider”، أنه وفي بداية انتشار فيروس “SARS” كانت “علي بابا” تخطط للمشاركة في معرض “قوانجاتشو”، واحد من بين أهم المعارض التجارية بالصين، ما كان سيشكل نقلة نوعية لها تسويقيًا.

وعلى الرغم من التحذيرات التي تلقتها الإدارة وقتها، إلا أن وفد من “علي بابا” شارك في المعرض بالفعل، ولكنه عاد بحالة إصابة بالفيروس وبالتالي اضطرت الشركة بأكملها لأن تخضع للحجر الصحي، وتوقفت أعمالها بالكامل.

ما نتعلمه هنا أنه لو كان المسؤولون من البداية قد اتخذوا احتياطاتهم بصورة كافية ولم يذهبوا إلى المعرض لكانوا استمروا في العمل من مقراتهم، ولم يخضعوا للحجر الصحي، وبالتالي لم يخسر الكثير منهم أعمالهم.

كرائد أعمال، ومع سرعة الانتشار الكبيرة لـكورونا “كوفيد-19″، يجب عليك ألا تتجاهل التحذيرات، وتقوم مبكرًا بتحويل “كل من يسمح لهم طبيعة عملهم بذلك” إلى المنزل، وبالتالي تقلل من فرص اختلاط موظفيك ببعضهم، وتحافظ على سير أعمالك بشكل طبيعي لأطول فترة، فشخص واحد فقط مصاب قد ينشر المرض إلى زملاؤه وبالتالي تجد شركتك بأكملها قد توقفت عن العمل في غضون أسبوعين!

– استعد لاتخاذ القرارات الصعبة:
التركيز على البقاء الآن وحتى انتهاء الأزمة يجب أن يكون أولوية أيضًا، فقد تضطرك الظروف لاتخاذ مجموعة من القرارات الصعبة، مثل تسريح بعض الموظفين الذين لا يمكنهم القيام بوظيفتهم بشكل كامل الآن، أو حتى تعليق العمل بشركتك تمامًا، كلما كنت سريعًا في تحديد العوامل التي يمكنك التخلي عنها والتي لا حاجة لها في “وضعية البقاء” كلما ساهم ذلك في حمايتك من الفشل بسبب تلك الأزمة.

يقول “بورتر” أنه حينما اضطرت “علي بابا” إلى تسريح بعض موظفيها خلال 2003، فقد تم ذلك بشكل جيد مع وعدهم بإعادة توظيفهم حينما تعود الأوضاع إلى طبيعتها “وقد قامت فعلًا بذلك”… فهؤلاء الموظفين وإنك لم يستطيعوا القيام بوظيفتهم الآن، فقد كانوا جزءًا من نموك في الماضي وسيكونون كذلك مستقبلًا.

– إبحث عن الفرص:
بحث “ما” وفريقه عن الجوانب التي يمكنهم استغلالها من أجل تطوير أعمال “علي بابا”، وبالتالي فقد كانت البداية بمحاولة إطلاق منصة “Taobao” في موعدها، خاصة وأنها يمكنها استغلال انخفاض عمليات الشراء Offline في إقناع المستهلكين للتحول إلى الـOnline مع بقاءهم في بيوتهم التزامًا بالحجر.

وبالتالي فمع تعرض “علي بابا” نفسها للحجر، تم عزل الفريق التأسيسي للموقع في شقة “جاك ما” القديمة حتى انتهوا من العمل على المنصة وتم إطلاقها بشكل رسمي في 10 مايو 2003.

كما تم تزويد الموظفين بأجهزة كمبيوتر ليصطحبوها معهم إلى المنزل، أما بالنسبة لخدمة العملاء، فقد تم تحويلها إلى أرقام منازل الموظفين المختصين بذلك، مع الوقت ورغم الحجر الصحي، نجحت الشركة في هزيمة eBay وقتها، في طريقها لتكون أقوى منصة تجارة الكترونية في آسيا.

بالإضافة إلى ذلك، فبعد انتهاء الأزمة، أدركت “علي بابا” أن عدد كبير من أصحاب المشاريع واجهوا أزمة كبيرة وقتها في الانتقال إلى عالم الانترنت “الذي كان حديثًا وقتها”، وبالتالي تعاونت مع الحكومة الصينية وأطلقت برنامج لتوعيتهم بأهمية هذا الجانب، وبالتالي سوقت لنفسها بينهم على اعتبار أنها ستساعدهم على التحول إلى العالم الالكتروني بسلاسة.

تعلمنا قصة “علي بابا” ببساطة ضرورة الاستمرار في التحلي بالثقة والإيمان والنظر إلى النصف المملوء من الكوب، فالجلوس والبكاء على الأطلال لن ينفع في شئ الآن سوى أنه سيزيد الطين بلة!

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى