رأي.. حسين رجب يكتب لـCNN: هل يمكن أن يصبح الشرق الأوسط مركزاً للصناعة؟
هذا المقال بقلم حسين رجب، المدير التنفيذي المشارك للاستثمار – قطاع الصناعة والنقل والخدمات اللوجستية، مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
وفقاً لبيانات البنك الدولي، ساهم قطاع الصناعة بنسبة 14% في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2018، وذلك مقابل 12.6% في عام 2016. واليوم، تماشيًا مع الرؤى الاقتصادية المختلفة لعام 2030 وبالتزامن مع التطورات التكنولوجية، أصبحت الحكومات في جميع أنحاء المنطقة تسعى إلى تعزيز قطاع الصناعة كجزء من استراتيجيات التنويع الاقتصادي. فهل يمكنها النجاح في ذلك؟
وقد أثبت التاريخ أنه من الممكن خلق قطاع صناعي واعد حتى بالاعتماد على أساسيات صغيرة نوعا ما، طالما توفرت الإرادة والموارد. فألمانيا مثلا أصبحت عملاقا صناعيا في فترة ما بعد الحرب بفضل جهود إعادة البناء التي مولتها الدول الغربية. كما أدت سياسة التقليد والتحسين والتطوير التي اعتمدتها اليابان إلى ازدهار الصناعة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. ورغم أنه تم القضاء على القدرات التصنيعية لكلا البلدين خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنهما بعد التراجع الشديد الذي تعرضت له التكنولوجيا القديمة قاما بتعويضه بشكل كامل بالتكنولوجيا الجديدة مما مكنهم من تحقيق قفزات كبرى.
وفي عصر الثورة الصناعية الرابعة، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومنطقة الخليج بشكل خاص، أن تحقق نجاحاً مشابهاً للنماذج العالمية، بالاعتماد على مميزات عديدة ومنها حجم السوق والقوة الشرائية والموارد الطبيعية والموقع الاستراتيجي وتنافسية تكاليف التشغيل والقوى العاملة المؤهلة والدعم الحكومي، وذلك جنبًا إلى جنب مع تقدم التكنولوجيا الرقمية والأتمتة وإنترنت الأشياء.
وتتميز منطقتنا بالعديد من المزايا الجاذبة للمصنّعين. فهي مركز للتجارة بفضل موقعها الاستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا عن طريق البر والبحر، وهو دور مارسته المنطقة لعدة قرون. هذه الميزة الجغرافية تعني الكثير للشركات الصناعية، فهي تعني أن التجارة ستكون أكثر نشاطاً وسيصبح الوصول إلى الأسواق الكبيرة أمرا سهلا. وبالإضافة إلى ذلك، وفّرت عائدات النفط للمنطقة ثروة كبيرة لصناديقها السيادية، مما منح الحكومات القدرة على الاستثمار لتحقيق رؤيتها وخططها المستقبلية. وتتميز الرؤى الاقتصادية 2030 لكل من المملكة العربية السعودية والبحرين وأبوظبي، واستراتيجية دبي الصناعية 2030، بأنها وضعت نمو قطاع الصناعة كركيزةً أساسية للتنويع الاقتصادي.
على أن الشركات التي تبحث عن موقع لبناء مصانعها تأخذ في الاعتبار عدة عوامل أخرى كذلك، منها سهولة الوصول إلى المواد الخام والأسواق ووجود عمالة ومرافق للنقل وتوفر تكلفة تشغيلية مناسبة. وتعتبر سهولة الوصول للأسواق ذات أهمية كبرى للمصنّعين الراغبين في تصدير المنتجات. ويشكل سوق دول مجلس التعاون الخليجي فرصة نوعية للشركات الصناعية، حيث تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار أمريكي، ويمكن من خلاله الوصول إلى الأسواق الهندية بسهولة. وتتمتع جميع دول الخليج بموانئ ومطارات ووسائل نقل بري جيدة. وقد استثمرت البحرين بشكل كبير في تكنولوجيا التتبع الرقمي الحديثة للبضائع، وبالإضافة إلى ذلك، تستثمر 32 مليار دولار في تطوير البنية التحتية، والمقرر الانتهاء منه في عام 2025. ولدى المؤسسات اللوجستية وعياً تاما بتلك المميزات، فقد قامت شركة “دي إتش إل”، على سبيل المثال، بتوسيع نطاق عملها في المنطقة انطلاقًا من مقرها الإقليمي في البحرين.
في عالم اليوم الذي يتسم بالعولمة والتنافسية المتزايدة، تعد البيئة المواتية للأعمال أمرًا أساسيًا لأي دولة تسعى إلى جذب الشركات المصنعة العالمية. وفي حين أن حكومات الشرق الأوسط غالباً ما تقيد الملكية الأجنبية للشركات، تسمح البحرين بالملكية الأجنبية بنسبة 100% في معظم القطاعات. وتتمتع البحرين بميزة إقليمية من حيث التكلفة التشغيلية، والتي تقل بنسبة 33% عن الدول المجاورة لها في قطاع الصناعة وبنسبة 43% في قطاع الخدمات اللوجستية. ويختلف مدى توفر اليد العاملة من دولة لأخرى، ولكن بشكل عام، يوجد في منطقة الشرق الأوسط قوة عاملة كبيرة من الشباب الباحثين عن العمل. وفي دول الخليج، هناك عدد كبير من الشباب المتعلمين تعليماً جيداً ويتمتعون بمهارة تقنية عالية. وبحسب التقرير العالمي لبيئة الشركات الناشئة للعام 2019، تصدرت مملكة البحرين المركز 15 عالمياً ضمن أكثر الدول التي توفر كفاءات وطنية مؤهلة.
إذا أرادت المنطقة النجاح، فيجب عليها أن تستفيد من نقاط قوتها، وهناك دلائل عديدة على أنها تدرك جيدًا نقاط قوتها وتحدياتها. ففي البحرين وحدها، شهدت السنوات القليلة الماضية قيام عدد من الشركات المصنعة العالمية بإنشاء مقرات إقليمية لها في المملكة، كشركة Mondelez, Arla Foods, BASF, Yokogawa, Rickett Benckiser Kimberly Clark. وقد ألقت جائحة كوفيد-19 الضوء على حاجة الشركات المصنعة لتنويع سلاسل الإمداد اللوجستية وإضفاء الطابع اللامركزي عليها. ويجب على منطقة الشرق الأوسط أن تروج لنفسها استقطاباً للشركات الدولية التي تسعى لتوسيع أنشطة الصناعة الخاصة بها. وإذا استمرت المنطقة في التركيز على نقاط قوتها، فلا شك في أنها ستحقق هدفها.
يعد توفر المواد الخام في منطقة الخليج ميزة رئيسية أخرى للمصنعين وهو ما يتيح إمكانية إنشاء مراكز تصنيع عالمية في المنطقة. وتمتلك البحرين أكبر موقع لصهر الألمنيوم في العالم مما يخلق فرصة هائلة للشركات المهتمة بهذا المجال، وعلاوة على ذلك، تمتلك البحرين واحداً من أكبر مصانع الصلب في العالم وواحداً من أكبر عشر مصانع لإنتاج الألياف الزجاجية على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك، استثمرت المملكة العربية السعودية بشكل كبير في إنتاج المواد الخام البلاستيكية، والتي اجتذبت أيضًا العديد من الشركات للعمل في السعودية والبحرين وباقي دول مجلس التعاون الخليجي من أجل استخدام هذه المواد الخام لإنتاج مختلف منتجات البلاستيك الجاهزة وتوزيعها إقليميا وعالميا.