تعرف الآن على القصة التي غيرت البشرية – قصة التسويق
ما هو التسويق؟ ماذا تعني هذه الكلمة؟ وما الذي يقوم به رجال هذه المهنة لكي يحققوا تلك النجاحات الرائعة؟
إذا كنت من محبي هذا العلم، وإذا كنت ترغب في معرفة أصل تلك الحكاية، الحكاية التي غيرت البشرية، وغيرت نظرتنا للحياة، فهذه المقالة خير مكان لك لتشبع هذه الرغبة في المعرفة.
هل أنت جاهز لنبدأ؟ إذن هيا بنا.
نبذة تاريخية عن علم التسويق
بدأ التسويق يتشكل كعلم منذ حوالي 100 عام تقريبا وذلك عندما ظهر الاحتياج الحقيقي له.
ماذا يعني ذلك!
هذا يعني أنه قبل هذا التاريخ لم تكن البشرية في احتياج حقيقي له، لم تكن البشرية تحتاج لوجود علم مستقل يهتم بدراسة السوق، إذا لماذا ظهر هذا الاحتياج وكيف تعاملنا معه ؟
لكي تعرف إجابة هذا السؤال عزيزي القارئ سأصطحبك معي في رحلة إلى الوراء قليلًا لتعرف القصة من البداية.
عمليات التبادل الأولى
منذ بداية ظهور المجتمعات ظهر احتياج حقيقي لعملية التبادل والتجارة، وبدأ الأمر بسيطًا بعمليات تبادل بدائية، بأن يقوم كل شخص بتبديل المنتجات أو الخدمات التي لديه بخدمات ومنتجات أخرى هو في إحتياج لها.
مع مرور الزمن وتطور المجتمعات ظهر الاحتياج لوجود أسواق، والأسواق هي الأماكن التي يأتي إليها الناس من أماكن مختلفة لكي يتبادلوا فيها السلع والمنتجات الخاصة بهم.
ظهور التجارة الخارجية
تطور الأمر بعد ذلك أكثر فصارت هناك عمليات تبادل بين البلاد وبعضها البعض، وظهر ما يسمى بالقوافل التجارية أو ما يعرف الآن بالتجارة الخارجية.
والقافلة التجارية هي عبارة عن مجموعة من الأشخاص يأخذون عدد من البضائع التي تشتهر بها بلدتهم ويقومون بالسفر بها إلى بلاد أخرى ثم يقومون بتبديل هذه البضائع ببضائع أخرى.
وهكذا ظلت الأمور تسير على هذا المنوال والتجار يجوبون أنحاء العالم يكتشفون أمكان وأسواق وبضائع جديدة.
الإنتاج الضخم – Mass production
إلى جانب التطور الذي كان يحدث في حركة التجارة العالمية كان هناك تطور آخر يحدث في حركة البحث والعلم. وبدأت الإختراعات تظهر إلى النور وتغزو العالم، فاكتشف البشر الطاقة والكهرباء واخترعوا السيارات والقطارات.
كل هذه التغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم أدت إلى ما يسمى بالثورة الصناعية والتي بدورها غيرت مفهوم التجارة وعمليات البيع والشراء، ومعها بدأ فصل جديد من الحكاية.
الثورة الصناعية بمعداتها الحديثة حولت عملية الإنتاج من الإنتاج اليدوي البسيط إلى الإنتاج المميكن الضخم، فظهر مفهوم جديد في عالم الصناعة والإنتاج وهو ما يسمى بالـ “Mass production” عمليات الإنتاج الضخمة.
هذا الفكر الجديد في الإنتاج قلل كثيرًا من التكلفة، ولكنه في المقابل أوجد مشاكل جديدة وهي أن هذا الإنتاج الضخم صار أكبر من احتياج الناس.
ظهور المبيعات
من هنا ظهر الاحتياج لعلم المبيعات، وقامت الشركات بإنشاء فرق للمبيعات وتحركت هذه الفرق وبدأت تجوب القرى والمدن والبلاد المختلفة لبيع منتجاتهم.
ومع مرور الزمن تطور علم البيع كثيرًا وأصبح رجال المبيعات يحققون مبيعات جبارة، ولكن مع ازدياد عدد الشركات زادت المنافسة وتوحشت، وبدأت المبيعات تنخفض، وهنا وقع المنتجون في مشكلة كبيرة، كيف يتغلبون على هذه المنافسة الشرسة الموجودة في السوق، وبدأت العقول تفكر من جديد وتبحث عن طرق جديدة للحل، وبالفعل توصل العديد من الباحثين إلى طريقة تفكير جديدة.
ظهور التسويق
تحول التركيز من شكله القديم الذي كان ينصب على عملية الإنتاج إلى التركيز على العميل نفسه، فبدأ الباحثين يدرسون العميل ويفهمون احتياجاته، فهو الهدف الذي يسعون لكسبه وإرضاءه، فصاروا يصممون منتجات تلبي احتياجاته، وكانت هذه اللحظات هي اللحظات الأولى لميلاد العلم جديد الذي غير البشرية.
وظل هذا العلم يتطور وينضج حتى وصل إلى شكله الحالي، وسمي بعلم التسويق، وصار هذا العلم يتدخل في كل شيء يخص العملية الإنتاجية بداية من تصميم وإنتاج المنتجات حتى تسعيرها وأماكن عرضها وطريقة الإعلان عنها، ثم دراسة ردود افعال العملاء لمعرفة مدى رضاهم عن المنتجات المقدمة لهم، ثم يعودون مرة أخرى بنتائج هذه الدراسات لتعديل المنتجات مرة أخرى لجعلها أكثر ملائمة للعملاء.
وهكذا صار التسويق هو العنصر الرئيسي والأساسي لنجاح الشركات ونجاح الأعمال والأنشطة التجارية، واستمر التسويق في التطور والنضج حتى ظهر في أواخر أربعينات القرن الماضي ما يسمى بـ المزيج التسويقي، والمزيج التسويقي هو عبارة عن وصفة محددة لمجموعة من العوامل والشروط التي يجب أن تتوفر مع بعضها البعض لكي تضمن نجاح الجهود التسويقية للشركات.
قبل أن ننتقل ونتعرف على عناصر المزيج التسويقي وكيف تتطور دعنا نتعرف أولا على مصطلح هام جدًا والذي صار بمثابة القلب النابض لعملية التسويق ألا وهو “الأبحاث التسويقية” أو ما يعرف بـ دارسة السوق.
الأبحاث التسويقية
الأبحاث التسويقية هي عملية دراسة وتحليل السوق المستهدف، فلنفترض مثلًا أن شركة ما تعمل في مجال المقاولات في مصر، فسيكون بحثها التسويقي عبارة عن تحليل ودراسة السوق التي تعمل به لكي تعرف ما هي المشاكل والتحديات الموجودة فيه، وستكون مهمة الباحثين فيه الإجابة على تلك الأسئلة: ما هي احتياجات العملاء الموجودين في هذا السوق وما هي قدراتهم الشرائية. من هم المنافسين الذين يعملون في هذا المجال؟ بماذا يتميزون؟ وما الفجوات الموجودة في هذا السوق؟ وهكذا.
بناء على نتائج هذه الأبحاث يتم عمل ما يسمى بالخطة الاستراتيجية للشركة، والتي تكون عبارة عن مجموعة من الأهداف يتم وضعها بناء على عوامل عدة من أهمها نتائج البحث التسويقي وأهداف الشركة وحجم استثماراتها.
المزيج التسويقي
في عام 1960 قام جيروم ماكارثي وهو باحث وبروفيسور في جامعة ميتشجان بوضع عناصر المزيج التسويقي، وقام بتحديده في أربع أعمدة رئيسية كل عمود فيه يبدأ بحرف الـ “P” فصار يعرف بـ “الفور بيز – 4ps”، وهم :-
- المنتَج – Product
- السعر – Price
- المكان – Place
- الترويج أو الدعاية – Promotion
فبعد أن تحدد الشركة السوق التي سوف تعمل به يتعين عليها بناء على المزيج التسويقي أن تفكر في تصميم منتج أو خدمة تلبي احتياج معين في هذا السوق بناء على معرفتها بالسوق، وبعد أن تقوم بإنتاج المنتج تحدد له السعر المناسب، ثم تقوم بإختيار مكان يناسب ويلائم عملائها المستهدفين لعرض وبيع منتجاتها لهم، بعد ذلك تقوم بعمل ترويج ودعاية لهذا المنتج لكي يعرف العملاء المستهدفين ان هذا المنتج الذي يلبي احتياجاتهم صار موجودًا.
المنتَج – Product
يتم تصميم وانتاج المنتج بناء على نتائج الابحاث التي تكون لخصت احتياجات السوق، أذواق العملاء، وقدراتهم الشرائية.
وهذه العملية تكون مستمرة؛ أي أنه بعد أن إنتاج المنتج في صورته الأولية يتم عمل اختبار له لأخذ ردود الأفعال، وبناء على النتائج يتم التعديل في المنتج حتى يصل إلى أفضل شكل ممكن.
كلما كانت تلك الخطوات متقنة بشكل كبير كلما أخرجت منتج قادر على الصمود في السوق.
السعر – Price
قد تظن عزيزي القارئ أن عملية التسعير تخص القسم المالي وحده لكن هذا ليس صحيحًا، لأن عملية التسعير جزء اساسي من علم التسويق، وتتم عملية التسعير بشكل منظم وبناء على عوامل كثيرة من أهمها قدرة العملاء المستهدفين الشرائية، أسعار المنافسين، تكلفة المنتج، ونسبة هامش الربح التي تستهدفها الشركة.
وأيضا عملية التسعير مثل باقي عمليات التسويق عملية حية ليست ثابته أو جامدة، فهي تتفاعل وتتأثر بالتغيرات التي تحدث داخل وخارج الشركة.
المكان – Place
صارت عملية اختيار المكان عملية متطورة جدا، وصار المسوقون اليوم يعرفون كيف وأين يتم عرض منتجاتهم لكي يحققوا بها النتائج المطلوبة.
وكما تم الذكر في النقاط السابقة تعتمد هذه الخطوة بشكل كبير على نتائج البحوث التسويقية، فلابد أن تعرف الشركة المكان الذي يتواجد فيه العملاء المستهدفين لكي تضع منتجاتها بالقرب منهم.
وقد تأثر وتطور هذا المفهوم بشكل كبير نتيجة للتغيرات والتطورات التي حدثت للبشرية، فصرت الآن تجد متاجر وشركات كبرى تبيع منتجاتها على الإنترنت، وبالطبع هذا الأمر ليس عبثًا بل هو نتيجة لدراسة وبحث.
فالتسويق كما تعلم الآن عزيزي القارئ علم حي وحيوي يتفاعل مع الأحداث والتطورات التي تحدث، فعندما أصبح العملاء متواجدين على شبكات الإنترنت صار من الضروري عمل متاجر لهم في هذه الأماكن التي يتواجدون فيها.
الترويج أو الدعاية – Promotion
من أكثر المفاهيم التي تختلط على أغلب الناس هو مفهوم الترويج، حيث يظن كثير من الناس أن عملية التسويق بأكملها هي عملية ترويج فقط، ولكنك الآن صرت تفهم وتعرف أن عملية التسويق هي أكبر بكثير من مجرد عمل دعاية أو ترويج للمنتج، وبالرغم من ذلك تظل عملية الترويج عملية هامة جدًا وأساسية لنجاح الجهود التسويقية للشركة.
باختصار وبشكل مبسط عملية الترويج هي أن تخبر العملاء المستهدفين أن الشركة أنتجت بعد بحث دقيق منتج يلبي لهم احتياجاتهم ويحل لهم المشكلة التي يعانون منها، وأن الشركة قد أنتجت لهم هذا المنتج بسعر يناسبهم ووضعته لهم في مكان قريب منهم يستطيعون الوصول إليه بشكل سهل.
الخلاصة
تظل عملية التسويق تعمل قبل إنتاج المنتج وبعد إنتاجه، فبعد أن تطلق الشركة منتجاتها بناء على كل ما سبق من عمليات تسويقه تقوم مرة أخرى بدراسة السوق لمعرفة مدى رضا العملاء عن ما قدمته الشركة لهم ، ثم تعمل جاهدة بعد ذلك لما هو أبعد وهو عملية كسب ولاء العميل، وهذا هو قمة النجاح التسويقي، فيصبح العملاء أنفسهم معلنين ومسوقين للشركة.
وبعد كل هذه الرحلة الطويلة التي قضتها البشرية في بحث ودراسة السوق ودراسة الإنسان أصبح علم التسويق علم رئيسي وأساسي لنجاح أي نشاط، ولا تزال حركة التطور والنمو مستمرة وعلم التسويق أيضا يتطور ويتغير مع كل تطور جديد في الحياة.
في النهاية أتمنى أن أكون نجحت في رسم صورة ولو بسيطة لك عن هذا العلم العظيم، ولابد أن تعرف عزيزي القارئ أن هذا العلم كبير جدًا ولا يسع لمئات من المقالات حصره والإلمام بكل تفاصيله وخباياه، ولكن على قدر المستطاع حاولت أن أوضح المعالم الأساسية لهذا العلم، والذي أدعوك أن تستزيد وتتعمق فيه أكثر وأكثر لتعرف وتتعلم، وأعدك بانك ستنبهر وتندهش من ما سوف تعرفه وتصل إليه.
لكي أعرف مدى استفادتك من المقالة أتمنى أن تجيني على هذا السؤال في التعليقات:
هل تغيرت رؤيتك ومفهومك عن التسويق بعد قراءة هذه المقالة؟ نعم أم لا؟ وكيف؟